قصة قصيرة
عدت إلى البيت بعد يوم من العمل .. سلمت على زوجتي وقبلت الابناء .. دلفت الى غرفة النوم ، نزعت قميصي .. أدخلت فيشة الكهرباء وضغطت على زر تشغيل الحاسوب واتجهت نحو المطبخ فتحت الثلاجة .. ابحث عن جزر أو مشمش.. أحاول أن أكون نباتيا في عشائي فقد تخطيت حاجز التسعين كيلو جراما .. حاولت مرات عديدة تطبيق نظام للتخسيس لكني بطني يسبقني دائما..
عدت إلى الحاسوب وشغلت برنامج الاتصال بالأنترنيت .. في كل مرة تقفز صفحة شركة الاتصال المليئة بالإعلانات وصور الكاسيات العاريات .. أغض طرفي وأتحول بسرعة إلى صفحة الشيخ "جوجل" ، ثم إلى قناتي على اليوتيوب .. ماشاء الله ..أصبح للقناة جمهور ، ومشترك أيضا .. ضغطت ب"الفأرة" على المشترك فظهرت صورة لغصن شجرة الأركان فقلت في نفسي ربما هذا شخص من المغرب ومن نواحي "سوس" أو"حاحا" حيث توجد أشجار الأركان .. في يمين الشاشة يوجد صندوق بريد خاص بالقناة..فتحته فتفاجأت برسالتين ، الأولى تعليق على مقطع فيديو ..والثانية ..لم أصدقهافي بداية الأمر..رسالة من نادي راقي يسعى لرعاية الفن ... يخبرني أن قانتي المتواضعة على اليوتيوب قد فازت بجائزة قيمتها : 955 ألف جنيه استرليني ... وفي نهاية الرسالة الطويلة والمكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية طلب بإرسال المعلومات الشخصية للسيدة "طاهيرة ماكولاي" المكلفة المالية بالنادي للحصول على الجائزة..
أقنعت نفسي بإرسال المعلومات .. قلت لنفسي لن أخسر شيئا.. وأن " أتبع الكذاب حتى باب الدار" كما يقول المثل المغربي الدارج ، ونسيت أن "الكذاب يغلب الطماع " كما في المثل الآخر ...
بعد اسبوع تقريبا من ارسال المعلومات.. فتحت بريدي الإلكتروني.. ووجدت رسالة السيدة "طاهيرة ماكولاي".. الرسالة معنونة ب "ملء استمارة طلب التعويضات" الرسالة طويلة وباللغتين.. وفي مقدمتها شعار اليوتيوب الأحمر ..ثم التذكير بالفوز بالمبلغ الكبير..والتهاني... وفي وسط الرسالة نمودج الاستمارة المكون من عشرة أسطر.. وفي الآخر "ألف مبروك مرة أخرى"
انتابني شعور غريب..الأمر جد إذن وليس بالهزل...وبدأت علامات النصر تتراقص أمامي...
سطرت الاستمارة بهمة ونشاط وأرسلتها.. بنجاح.. الوقت متأخر تجاوزت الساعة منتصف الليل ، لكني لا أشعر بالتعب مطلقا..
أغلقت الحاسوب ونزعت فيشة الكهرباء.. توضأت وصلتين ركعتين..الأولاد نائمون.. والزوجة تعزف سمفونيتها الشهيرة..
قريبا سيتغير هذا الوضع إن شاء الله .. سيكون لدينا بيت واسع..فيه غرفة للبنين وأخرى للبنات.. ومكتب "شيك" أرتب فيه كتبي المكدسة في صندوق "الكوافوز" المكسور.. وسأشتري حاسوبا جديدا.. وهذا القديم سأتركه للأطفال..وسأشتري... سريرا وثيرا وسأتخلص من هذه الكومة الصلدة التي أنام عليها.. إنشاء الله...
رددت أذكار النوم واستسلمت لنوم لذيذ .
في اليوم التالي فتحت بريدي الاكتروني باحثا عن رد السيدة "طاهيرة ماكولاي" ، لكني لم أجده.. هناك فقط الرسائل المعتادة.. التويتر.. وموقع "الطريق إلى الله".. والمختار الاسلامي.. وموقع الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله تعالى... لم ألتفت إلى هذه الرسائل.. كنت أبحث عن رسالة واحدة.. رسالة تحقق هذه الأحلام والمشاريع التي تأججت في داخلي...
لم أخبر أحدا بفوزي بالجائزة القيمة.. لأن النادي الراقي طلب مني ذلك..
والسيدو " طاهيرة" طلبت مني ذلك هي الأخرى ..حتى زوجتي لم أخبرها فهي ثرثارة جدا.. وستخبر أمها.. وخالتها.. وصديقاتها الكثيرات..يوما ما قال لي أحد الأصدقاء أن النساء يتعارفن بسرعة كالنعاج.. قال لي ذلك عندما دعانا لبيته أنا وزوجتي.. وقلت له إن زوجتي لا تعرف زوجتك..
بعد خمسة أيام جاء الرد المنتظر..
قرأته بسرعة وانفعال شديد.. الرسالة تعلوها أيقونة اليوتيوب القانية، وعبارات الاحترام والتهاني.. ورقم الفوز الكبير...
المهم أن السيدة " طاهيرة" قد دفعت جائزتي القيمة إلى شركة الشحن السريع التي ستتولى توصيلي-إنشاء الله تعالى- بالجائزة.. وأعطتني عناوين الشركة الواقعية والإلكترونية ورقم هاتفها.. وطلبت مني ارسال معلوماتي إليها..
" لاتوصي يتيما بالبكاء ".. فإنه سيبكي..
وفي آخر الرسالة عبارة أربكتني كثيرا ، وهي أنه لدي خمسة عشر يوما فقط لاستخلاص جائزتي... وكيف لاأرتبك ؟ واليوم الخميس ، والساعة تجاوزت منتصف الليل ، يعني أننا في يوم الجمعة - حسب التقويم الجاري في العالم- وبعده السبت والأحد عطلة عند "الخواجة".. وعندنا...
إذن يتبقى أسبوع فقط للتوصل بجائزتي الكبيرة.. وهل يكفي هذا الأسبوع حتى في عد هذا المبلغ الضخم ؟؟ ..
رغم ذلك عبأت استمارة المعلومات وأرسلتها إلى شركة الشحن السريع البريطانية..
أقفلت الحاسوب ونزعت فيشة الكهرباء..
توضأت.. وصليت ركعتين.. وحاولت النوم على السرير الصلد بجانب زوجتي التي تعزف سمفونيتها الشهيرة.. لكن النوم طار.. ر ددت أذكار النوم.. لكني
لم أنم .. رأسي يعج بالأفكار.. وبالمشاريع الصغيرة والعملاقة..
والخوف من ضياع "الثروة" وانفلاتها من بين أصابعي كما انسلت أحلام الطفولة والشباب.. لم أنم .. ربما غفوت قليلا ..
آذان الصبح الأول يكسر صفحة الليل السوداء.. بعد قليل سيرن جرس الهاتف وسأقوم..
اليوم الجمعة "عيد المؤمنين" يوم عطلتي الأسبوعية.. استيقظت متأخرا.. أما زوجتي فتصحب الأولاد إلى المدرسة مبكرا بعد أن تفطرهم بالحليب والخبز الباريزي الذي يفضله الأولاد مع الجبن الفرنسي كذلك .. ومربى المشمش الذي صنعته .. والصراخ والضرب أيضا...
قبل أن افطر وضعت الفيشة في مأخذ الكهرباء وشغلت الحاسوب ..
وأسرعت إلى صفحة بريدي الاكتروني حيث تفاجأت برد شركة الشحن السريع.. شعرت بالارتياح فهذه السرعة مطلوبة في مثل هذه المواقف الحرجة التي أمر بها.. في بداية الرسالة إطارات لصور غير ظاهرة.. وتحية إدارية جافة.. وطلب بقراءة الرسالة بتأن وتركيز..ثم تذكير بالجائزة وقيمتها ورقمها... ثم نمودج الاستمارة الأخرى التي سأملؤهامن جديد..أسماء وعناوين وهواتف كالعادة ، لكن هذه المرة سأضيف خانة أخرى خاصة بنوعية الشحن التي أفضلها حسب سرعة التسليم.. وكل سرعة بثمن خاص..
عبأت الاستمارة بسرعة.. واخترت السرعة القصوى وهي أربع وعشون ساعة..
وأسرعت بالضغط على كلمة "ارسال"..
ثم قمت للإفطار مع زوجتي والأبناء الذين أحضرتهم من المدرسة قبل قليل..
عادة زوجتي تأكل وتتحدث.. وتوبخ الأولاد.. وتضربهم.. وأنا أكره هذا الأسلوب على المائدة.. وقلت لها ذلك مرارا.. ولكن لاحياة لمن تنادي.. وتقص أحلامها المزعجة وكوابيسها.. وكذلك قلت لها انه لايجوز-شرعا- حكاية الأحلام والكوابيس..
اليوم كانت هادئة إلى حد ما.. وقالت أنها رأت بيضا كثيرا في المنام.. قلت في نفسي مفسرا إنها الدراهم البيضاء الكثيرة..والثروة الموعودة..
إنها الجائزة الكبرى التي فزت بها..
وقلت لها إنه الخير القادم إنشاء الله ...
بعد انتهائي من فطوري حملت أغراض الحمام ودخلت إلى الحمام ..
خرجت من الحمام ،وغيرت ملابسي ،وعدت إلى الحاسوب ..فتشت صندوق البريد الوارد.. لم أجد رد شركة الشحن.. وانتقلت إلى قناتي على اليوتيوب حيث قمت برفع مقاطع دعوية جديدة..
بعد صلاة الجمعة صحبت الاولاد إلى المدرسة لأول مرة منذ شهور.. فرح الاولاد كثيرا لأني رافقتهم إلى المدرسة..أعطيتهم فلوسا قرب المدرسة لشراء الحلوى..
تغذيت مع زوجتي.. لم تكن عندي شهية للأكل.. المهم أكلت.. واتجهت نحو الحاسوب.. واتجهت زوجتي نحو آلة التصبين ..
هذه المرة جاء رد شركة الشحن أكثر بهاء.. تعلوه أيقونتان..
طائرة رمادية تطير.. وشاحنة صفراء تسير..
وبعد التحية والتبريكات ..جاءت الصاعقة ًُ..
مصاريف الشحن الباهضة جدا تدفع أولا.. ثم أيقونة شركة تحويل الأموال الحمراء..وطريقة الدفع المتبعة في مثل هذه الشركات.. واستمارة الدفع وفي أسفل الرسالة صورة للطرد الذي سيصلني.. وهو يضم شهادة الفوز والشيك العالمي الذي يمكن صرفه في جميع أبناك العالم ...
المشكلة أن المبلغ المطلوب كبير ولاأملكه ..
قلت في نفسي سأكتب لهم وأقول لهم أن يقططعوا هذا المبلغ من الجائزة.. وهذا ماقمت بتنفيذه بسرعة ..
خرجت من البيت وأنا مشتت الفكر أبحث عن مصادر تمويل لاستخلاص جائزتي.. سأطلب من أحد الأقارب أن يقرضني.. أو أخبر زوجتي لعلها تطلب من والدها قرضا آخر..
لم أستطيع الابتعاد عن الحاسوب ..عدت إلى البيت وإلى الحاسوب ..
وجدت رد شركة الشحن بانتظاري ..كان ردا حازما ..
" ياسيدي لقد قلنا لك أن الدفع سيكون قبل التسليم .. وأن القانون البريطاني يحرم التصرف في جائزتك .. أنت الشخص الوحيد المخول له ذلك"
الطائرة الرمادية -مازالت- تطير ..
والشاحنة الصفراء تسير ..
بدأت بعض الشكوك تساورني..ورغم ذلك لازلت أبحث -في ذاكرتي - عن ممولين..فكرت في السفر ..لعلي أقنع أحد الأقارب بالدخول معي في هذه الجائزة..بتحمله مصاريف الشحن...
حان وقت صلاة المغرب.. توضأت وخرجت للمسجد..كنت دائما أدعو الله أن ييسرلي أمر هذه الجائزة..
بعد صلاة المغرب جلست لأذكار المساء.. والدعاء..
أثناء ذلك مر أمامي "نورالدين" قلت في نفسي وجدت من أبوح له بهذا السر الثقيل.. ليس من عادتي البوح بأسراري ..لكن هذه المرة يجب أن أفجر هذا الجبل من الهم الجاثم على صدري منذ أسبوعين ..
قصصت على نور الدين حكايتي.. وكان يعلق أثناء سردي المختصر بأن الأمر يتعلق بعملية نصب واحتيال ...
الحمد لله ..اراحتني كلمات نورالدين كثيرا ..
شكرت نور الدين وانصرفت ..
عدت إلى البيت وإلى الحاسوب بعد عزمت على التحقيق في النادي صاحب الجائزة.. استدعيت الشيخ "جوجل" وكتبت في اطاره اسم النادي بالحروف اللاتينية ،فظهرت النتائج سريعا ..لهذا أحب الشيخ "جوجل" إنه أمين وسريع في تقديم خدماته البحثية ..
ضغت على الاختيار الأول.. والثاني.. وفي الاختيار الثالث ظهرت نفس الرسالة التي توصلت بها والتي أخبرتني أن قناتي قد فازت بالجائزة.. نفس الرسالة توصل بها "فارس السنة" صاحب قناة أخرى على اليوتيوب...
قلت في نفسي الحمد لله لقد انكشف الأمر..
إنها عملية نصب واحتيال مكشوفة كدت أن أقع فيها لولا رحمة الله وعنايته..
عدت إلى بريدي الاكتروني ، وضغطت على رسالة شركة الشحن المزعومة.. وقرأت عبارة النصب الآخيرة :
" ياسيدي الدفع فبل التسليم ..."
وكتبت تحتها :
" يا سيدي لقد تبرعت بهذه الجائزة للجمعيات الخيرية الأمريكية والبريطانية"
وضغطت بالفأرة على الإطار الأزرق "إرسال".
عدت إلى البيت بعد يوم من العمل .. سلمت على زوجتي وقبلت الابناء .. دلفت الى غرفة النوم ، نزعت قميصي .. أدخلت فيشة الكهرباء وضغطت على زر تشغيل الحاسوب واتجهت نحو المطبخ فتحت الثلاجة .. ابحث عن جزر أو مشمش.. أحاول أن أكون نباتيا في عشائي فقد تخطيت حاجز التسعين كيلو جراما .. حاولت مرات عديدة تطبيق نظام للتخسيس لكني بطني يسبقني دائما..
عدت إلى الحاسوب وشغلت برنامج الاتصال بالأنترنيت .. في كل مرة تقفز صفحة شركة الاتصال المليئة بالإعلانات وصور الكاسيات العاريات .. أغض طرفي وأتحول بسرعة إلى صفحة الشيخ "جوجل" ، ثم إلى قناتي على اليوتيوب .. ماشاء الله ..أصبح للقناة جمهور ، ومشترك أيضا .. ضغطت ب"الفأرة" على المشترك فظهرت صورة لغصن شجرة الأركان فقلت في نفسي ربما هذا شخص من المغرب ومن نواحي "سوس" أو"حاحا" حيث توجد أشجار الأركان .. في يمين الشاشة يوجد صندوق بريد خاص بالقناة..فتحته فتفاجأت برسالتين ، الأولى تعليق على مقطع فيديو ..والثانية ..لم أصدقهافي بداية الأمر..رسالة من نادي راقي يسعى لرعاية الفن ... يخبرني أن قانتي المتواضعة على اليوتيوب قد فازت بجائزة قيمتها : 955 ألف جنيه استرليني ... وفي نهاية الرسالة الطويلة والمكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية طلب بإرسال المعلومات الشخصية للسيدة "طاهيرة ماكولاي" المكلفة المالية بالنادي للحصول على الجائزة..
أقنعت نفسي بإرسال المعلومات .. قلت لنفسي لن أخسر شيئا.. وأن " أتبع الكذاب حتى باب الدار" كما يقول المثل المغربي الدارج ، ونسيت أن "الكذاب يغلب الطماع " كما في المثل الآخر ...
بعد اسبوع تقريبا من ارسال المعلومات.. فتحت بريدي الإلكتروني.. ووجدت رسالة السيدة "طاهيرة ماكولاي".. الرسالة معنونة ب "ملء استمارة طلب التعويضات" الرسالة طويلة وباللغتين.. وفي مقدمتها شعار اليوتيوب الأحمر ..ثم التذكير بالفوز بالمبلغ الكبير..والتهاني... وفي وسط الرسالة نمودج الاستمارة المكون من عشرة أسطر.. وفي الآخر "ألف مبروك مرة أخرى"
انتابني شعور غريب..الأمر جد إذن وليس بالهزل...وبدأت علامات النصر تتراقص أمامي...
سطرت الاستمارة بهمة ونشاط وأرسلتها.. بنجاح.. الوقت متأخر تجاوزت الساعة منتصف الليل ، لكني لا أشعر بالتعب مطلقا..
أغلقت الحاسوب ونزعت فيشة الكهرباء.. توضأت وصلتين ركعتين..الأولاد نائمون.. والزوجة تعزف سمفونيتها الشهيرة..
قريبا سيتغير هذا الوضع إن شاء الله .. سيكون لدينا بيت واسع..فيه غرفة للبنين وأخرى للبنات.. ومكتب "شيك" أرتب فيه كتبي المكدسة في صندوق "الكوافوز" المكسور.. وسأشتري حاسوبا جديدا.. وهذا القديم سأتركه للأطفال..وسأشتري... سريرا وثيرا وسأتخلص من هذه الكومة الصلدة التي أنام عليها.. إنشاء الله...
رددت أذكار النوم واستسلمت لنوم لذيذ .
في اليوم التالي فتحت بريدي الاكتروني باحثا عن رد السيدة "طاهيرة ماكولاي" ، لكني لم أجده.. هناك فقط الرسائل المعتادة.. التويتر.. وموقع "الطريق إلى الله".. والمختار الاسلامي.. وموقع الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله تعالى... لم ألتفت إلى هذه الرسائل.. كنت أبحث عن رسالة واحدة.. رسالة تحقق هذه الأحلام والمشاريع التي تأججت في داخلي...
لم أخبر أحدا بفوزي بالجائزة القيمة.. لأن النادي الراقي طلب مني ذلك..
والسيدو " طاهيرة" طلبت مني ذلك هي الأخرى ..حتى زوجتي لم أخبرها فهي ثرثارة جدا.. وستخبر أمها.. وخالتها.. وصديقاتها الكثيرات..يوما ما قال لي أحد الأصدقاء أن النساء يتعارفن بسرعة كالنعاج.. قال لي ذلك عندما دعانا لبيته أنا وزوجتي.. وقلت له إن زوجتي لا تعرف زوجتك..
بعد خمسة أيام جاء الرد المنتظر..
قرأته بسرعة وانفعال شديد.. الرسالة تعلوها أيقونة اليوتيوب القانية، وعبارات الاحترام والتهاني.. ورقم الفوز الكبير...
المهم أن السيدة " طاهيرة" قد دفعت جائزتي القيمة إلى شركة الشحن السريع التي ستتولى توصيلي-إنشاء الله تعالى- بالجائزة.. وأعطتني عناوين الشركة الواقعية والإلكترونية ورقم هاتفها.. وطلبت مني ارسال معلوماتي إليها..
" لاتوصي يتيما بالبكاء ".. فإنه سيبكي..
وفي آخر الرسالة عبارة أربكتني كثيرا ، وهي أنه لدي خمسة عشر يوما فقط لاستخلاص جائزتي... وكيف لاأرتبك ؟ واليوم الخميس ، والساعة تجاوزت منتصف الليل ، يعني أننا في يوم الجمعة - حسب التقويم الجاري في العالم- وبعده السبت والأحد عطلة عند "الخواجة".. وعندنا...
إذن يتبقى أسبوع فقط للتوصل بجائزتي الكبيرة.. وهل يكفي هذا الأسبوع حتى في عد هذا المبلغ الضخم ؟؟ ..
رغم ذلك عبأت استمارة المعلومات وأرسلتها إلى شركة الشحن السريع البريطانية..
أقفلت الحاسوب ونزعت فيشة الكهرباء..
توضأت.. وصليت ركعتين.. وحاولت النوم على السرير الصلد بجانب زوجتي التي تعزف سمفونيتها الشهيرة.. لكن النوم طار.. ر ددت أذكار النوم.. لكني
لم أنم .. رأسي يعج بالأفكار.. وبالمشاريع الصغيرة والعملاقة..
والخوف من ضياع "الثروة" وانفلاتها من بين أصابعي كما انسلت أحلام الطفولة والشباب.. لم أنم .. ربما غفوت قليلا ..
آذان الصبح الأول يكسر صفحة الليل السوداء.. بعد قليل سيرن جرس الهاتف وسأقوم..
اليوم الجمعة "عيد المؤمنين" يوم عطلتي الأسبوعية.. استيقظت متأخرا.. أما زوجتي فتصحب الأولاد إلى المدرسة مبكرا بعد أن تفطرهم بالحليب والخبز الباريزي الذي يفضله الأولاد مع الجبن الفرنسي كذلك .. ومربى المشمش الذي صنعته .. والصراخ والضرب أيضا...
قبل أن افطر وضعت الفيشة في مأخذ الكهرباء وشغلت الحاسوب ..
وأسرعت إلى صفحة بريدي الاكتروني حيث تفاجأت برد شركة الشحن السريع.. شعرت بالارتياح فهذه السرعة مطلوبة في مثل هذه المواقف الحرجة التي أمر بها.. في بداية الرسالة إطارات لصور غير ظاهرة.. وتحية إدارية جافة.. وطلب بقراءة الرسالة بتأن وتركيز..ثم تذكير بالجائزة وقيمتها ورقمها... ثم نمودج الاستمارة الأخرى التي سأملؤهامن جديد..أسماء وعناوين وهواتف كالعادة ، لكن هذه المرة سأضيف خانة أخرى خاصة بنوعية الشحن التي أفضلها حسب سرعة التسليم.. وكل سرعة بثمن خاص..
عبأت الاستمارة بسرعة.. واخترت السرعة القصوى وهي أربع وعشون ساعة..
وأسرعت بالضغط على كلمة "ارسال"..
ثم قمت للإفطار مع زوجتي والأبناء الذين أحضرتهم من المدرسة قبل قليل..
عادة زوجتي تأكل وتتحدث.. وتوبخ الأولاد.. وتضربهم.. وأنا أكره هذا الأسلوب على المائدة.. وقلت لها ذلك مرارا.. ولكن لاحياة لمن تنادي.. وتقص أحلامها المزعجة وكوابيسها.. وكذلك قلت لها انه لايجوز-شرعا- حكاية الأحلام والكوابيس..
اليوم كانت هادئة إلى حد ما.. وقالت أنها رأت بيضا كثيرا في المنام.. قلت في نفسي مفسرا إنها الدراهم البيضاء الكثيرة..والثروة الموعودة..
إنها الجائزة الكبرى التي فزت بها..
وقلت لها إنه الخير القادم إنشاء الله ...
بعد انتهائي من فطوري حملت أغراض الحمام ودخلت إلى الحمام ..
خرجت من الحمام ،وغيرت ملابسي ،وعدت إلى الحاسوب ..فتشت صندوق البريد الوارد.. لم أجد رد شركة الشحن.. وانتقلت إلى قناتي على اليوتيوب حيث قمت برفع مقاطع دعوية جديدة..
بعد صلاة الجمعة صحبت الاولاد إلى المدرسة لأول مرة منذ شهور.. فرح الاولاد كثيرا لأني رافقتهم إلى المدرسة..أعطيتهم فلوسا قرب المدرسة لشراء الحلوى..
تغذيت مع زوجتي.. لم تكن عندي شهية للأكل.. المهم أكلت.. واتجهت نحو الحاسوب.. واتجهت زوجتي نحو آلة التصبين ..
هذه المرة جاء رد شركة الشحن أكثر بهاء.. تعلوه أيقونتان..
طائرة رمادية تطير.. وشاحنة صفراء تسير..
وبعد التحية والتبريكات ..جاءت الصاعقة ًُ..
مصاريف الشحن الباهضة جدا تدفع أولا.. ثم أيقونة شركة تحويل الأموال الحمراء..وطريقة الدفع المتبعة في مثل هذه الشركات.. واستمارة الدفع وفي أسفل الرسالة صورة للطرد الذي سيصلني.. وهو يضم شهادة الفوز والشيك العالمي الذي يمكن صرفه في جميع أبناك العالم ...
المشكلة أن المبلغ المطلوب كبير ولاأملكه ..
قلت في نفسي سأكتب لهم وأقول لهم أن يقططعوا هذا المبلغ من الجائزة.. وهذا ماقمت بتنفيذه بسرعة ..
خرجت من البيت وأنا مشتت الفكر أبحث عن مصادر تمويل لاستخلاص جائزتي.. سأطلب من أحد الأقارب أن يقرضني.. أو أخبر زوجتي لعلها تطلب من والدها قرضا آخر..
لم أستطيع الابتعاد عن الحاسوب ..عدت إلى البيت وإلى الحاسوب ..
وجدت رد شركة الشحن بانتظاري ..كان ردا حازما ..
" ياسيدي لقد قلنا لك أن الدفع سيكون قبل التسليم .. وأن القانون البريطاني يحرم التصرف في جائزتك .. أنت الشخص الوحيد المخول له ذلك"
الطائرة الرمادية -مازالت- تطير ..
والشاحنة الصفراء تسير ..
بدأت بعض الشكوك تساورني..ورغم ذلك لازلت أبحث -في ذاكرتي - عن ممولين..فكرت في السفر ..لعلي أقنع أحد الأقارب بالدخول معي في هذه الجائزة..بتحمله مصاريف الشحن...
حان وقت صلاة المغرب.. توضأت وخرجت للمسجد..كنت دائما أدعو الله أن ييسرلي أمر هذه الجائزة..
بعد صلاة المغرب جلست لأذكار المساء.. والدعاء..
أثناء ذلك مر أمامي "نورالدين" قلت في نفسي وجدت من أبوح له بهذا السر الثقيل.. ليس من عادتي البوح بأسراري ..لكن هذه المرة يجب أن أفجر هذا الجبل من الهم الجاثم على صدري منذ أسبوعين ..
قصصت على نور الدين حكايتي.. وكان يعلق أثناء سردي المختصر بأن الأمر يتعلق بعملية نصب واحتيال ...
الحمد لله ..اراحتني كلمات نورالدين كثيرا ..
شكرت نور الدين وانصرفت ..
عدت إلى البيت وإلى الحاسوب بعد عزمت على التحقيق في النادي صاحب الجائزة.. استدعيت الشيخ "جوجل" وكتبت في اطاره اسم النادي بالحروف اللاتينية ،فظهرت النتائج سريعا ..لهذا أحب الشيخ "جوجل" إنه أمين وسريع في تقديم خدماته البحثية ..
ضغت على الاختيار الأول.. والثاني.. وفي الاختيار الثالث ظهرت نفس الرسالة التي توصلت بها والتي أخبرتني أن قناتي قد فازت بالجائزة.. نفس الرسالة توصل بها "فارس السنة" صاحب قناة أخرى على اليوتيوب...
قلت في نفسي الحمد لله لقد انكشف الأمر..
إنها عملية نصب واحتيال مكشوفة كدت أن أقع فيها لولا رحمة الله وعنايته..
عدت إلى بريدي الاكتروني ، وضغطت على رسالة شركة الشحن المزعومة.. وقرأت عبارة النصب الآخيرة :
" ياسيدي الدفع فبل التسليم ..."
وكتبت تحتها :
" يا سيدي لقد تبرعت بهذه الجائزة للجمعيات الخيرية الأمريكية والبريطانية"
وضغطت بالفأرة على الإطار الأزرق "إرسال".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق